فصل: (مسألة: شرطا شيئا في الرهن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: رهن المصحف ونحوه لكافر]

وهل يجوز رهن المصحف وكتب الحديث والفقه والعبد المسلم من الكافر؟ فيه طريقان:
الأول: قال أبو إسحاق، والقاضي أبو حامد: فيه قولان:
أحدهما: لا يصح.
والثاني: يصح، ويوضع ذلك على يد مسلم، كما قلنا في بيع ذلك منه.
والطريق الثاني قال أبو علي في "الإفصاح": يصح الرهن، قولا واحدا، ويوضع على يد مسلم؛ لأن الكافر لا يملك الرهن، بخلاف البيع.

.[مسألة: شرطا شيئا في الرهن]

وإذا شرط المتراهنان في الرهن شرطا.. نظرت:
فإن كان شرطا يقتضيه الرهن، مثل: أن يشترطا أن يباع في الدين عند حلول الأجل، أو على أن يباع بثمن المثل، أو على أن منفعته للراهن.. صح الشرط والرهن؛ لأن العقد يقتضي ذلك، فكان هذا الشرط تأكيدا.
وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد.. فلا يخلو: إما أن يكون نقصانا في حق المرتهن، أو زيادة في حقه:
فإن كان نقصانا في حقه، مثل: أن يكون رهنه رهنا على أن لا يباع في الدين، أو على أن لا يباع إلا بأكثر من ثمن مثله، أو على أن لا يباع إلا بما يرضى به الراهن.. فالشرط باطل؛ لأنه ينافي مقتضى عقد الرهن، ويبطل الرهن بذلك؛ لأنه يمنع مقصود الرهن.
وإن كان الشرط زيادة في حق المرتهن، مثل: أن يرهنه شيئا بشرط أن يباع قبل
محل الحق، أو على أن يباع بأي ثمن كان وإن كان أقل من ثمن مثله.. فالشرط باطل؛ لأنه ينافي مقتضى الرهن، وهل يبطل الرهن؟ فيه قولان:
أحدهما: يبطل الرهن، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق؛ لأنه شرط فاسد قارن عقد الرهن، فأبطله، كما لو كان نقصانا في حق المرتهن.
والثاني: لا يبطل؛ لأن المقصود من الرهن الوثيقة، وهذه الشروط لا تقدح في الوثيقة، لأنها زيادة في حق المرتهن، بخلاف الشروط التي تقتضي نقصانا في حق المرتهن.
فإذا قلنا: إن الرهن باطل بهذه الشروط، أو شرطا نقصانا في حق المرتهن.. نظرت:
فإن كان الرهن غير مشروط في البيع.. بقي الدين بغير رهن.
وإن شرطا ذلك في البيع، بأن قال: بعتك عبدي هذا بألف على أن ترهنني دارك هذه بالألف، على أن لا تباع الدار في الدين.. فهل يبطل البيع؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يبطل البيع؛ لأن البيع ينعقد منفردا عن الرهن، فلم يبطل البيع ببطلان الرهن، كالصداق في النكاح؛ لأنه قد يتزوجها بغير صداق، ثم يفرض لها صداقا بعد ذلك، ثم لا يفسد النكاح لفساد الصداق وإن قارنه، فكذلك الرهن مع البيع.
والثاني: يبطل البيع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه شرط فاسد قارن عقد البيع، فأفسده، كما لو باعه شيئا بشرط أن لا يسلمه.

.[فرع: البيع بنقد ومنفعة مجهولة]

إذا قال لغيره: بعني عبدك هذا بألف، على أن أرهنك به داري هذه، وتكون منفعة الدار لك، فإن كانت منفعة الدار مجهولة.. كان الرهن والبيع باطلين، قولا واحدا؛ لأنه باعه العبد بألف وبمنفعة الدار مدة غير معلومة، والبيع بثمن مجهول باطل. وإن كانت منفعة الدار معلومة.. قال القاضي أبو الطيب: هذه صفقة جمعت بيعا وإجارة، فهل يصحان؟ فيه قولان.
وقال الشيخ أبو حامد: شرط منفعة الدار للمرتهن باطل؛ لأنه ينافي مقتضاه، وهل يبطل به الرهن؟ فيه قولان؛ لأنه زيادة في حق المرتهن.
فإذا قلنا: إنه باطل.. فهل يبطل البيع؟ فيه قولان. فإذا قلنا: إن الرهن صحيح، أو قلنا: إنه باطل، ولا يبطل البيع.. ثبت للبائع الخيار في فسخ لا بيع؛ لأنه لم يسلم له ما شرط، وهذا ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وإن قال لغيره: بعني عبدك هذا بألف، على أن تكون داري رهنا به، ومنفعتها أيضا رهنا به.. فإن المنفعة لا تكون رهنا؛ لأنها مجهولة، ولأنه لا يمكن إقباضها. فإذا بطل رهن المنفعة.. فهل يبطل الرهن في أصل الدار؟ فيه قولان، بناء على القولين في تفريق الصفقة.
فإذا قلنا: إن الرهن لا يفسد في أصل الدار.. لم يفسد البيع، ولكن يثبت للبائع الخيار؛ لأنه لم يسلم له جميع الرهن.
وإن قلنا: يفسد في أصل الدار.. فهل يبطل البيع؟ فيه قولان.

.[فرع: البيع بثمن ومنفعة]

وإن كان لرجل على آخر ألف بغير رهن، فقال من عليه الألف لمن له الألف: بعني عبدك هذا بألف، على أن أعطيك داري رهنا بها وبالألف الذي لك علي بغير رهن، فقال: بعتك.. كان البيع باطلا؛ لأن ثمن العبد مجهول؛ لأنه باعه بألف ومنفعة أخرى، وهو أن يعطيه رهنا بالألف التي لا رهن بها، ولأنه بيعتان في بيعة.

.[فرع: القرض بشرط رهن ومنفعته]

إذا قال لغيره: أقرضني ألف درهم، على أن أعطيك عبدي هذا رهنا، وتكون منفعته لك، فأقرضه.. فالقرض باطل؛ لأنه قرض جر منفعة، وهكذا: لو كان عليه ألف بغير رهن، فقال له: أقرضني ألفا، على أن أعطيك عبدي هذا رهنا بها وبالألف التي لا رهن بها، فأقرضه.. فالقرض فاسد؛ لأنه قرض جر منفعة، والرهن باطل فيهما؛ لأن الرهن إنما يصح بالدين، ولا دين له في ذمته. وإن قال: أقرضني ألفا، على أن أرهنك داري به، وتكون منفعتها رهنا بها أيضا.. لم يصح شرط رهن المنفعة؛ لأنها مجهولة، ولأنه لا يمكن إقباضها.
فإذا ثبت: أنه لا يصح هذا الشرط.. فإنه زيادة في حق المرتهن، وهل يبطل بها الرهن؟ فيه قولان.

.[فرع: التطوع بالرهن للدين المستقر]

إذا كان له دين مستقر في ذمته، فتطوع بالرهن به، فقال: رهنتك هذه النخلة، على أن ما تثمر يكون داخلا في الرهن، أو هذه الماشية، على أن ما تنتج داخل في الرهن.. فهل يصح الرهن في الثمرة والنتاج؟ فيه قولان:
أحدهما: يصح الرهن فيهما؛ لأنهما متولدان من الرهن، فجاز أن يكونا رهنا معا.
والثاني: لا يصح الرهن فيهما، وهو الصحيح؛ لأنه رهن معدوم ومجهول.
فعلى هذا: هل يبطل الرهن في النخلة والماشية؟ فيه قولان، بناء على القولين في تفريق الصفقة.
وإن قال: بعتك عبدي هذا بألف، على أن ترهنني نخلتك هذه، على أن ما تثمر داخل في الرهن، فإن قلنا: يصح الرهن في الثمرة.. صح البيع. وإن قلنا: لا يصح الرهن في الثمرة، فإن قلنا: لا يبطل الرهن في النخلة.. لم يبطل البيع في العبد، ولكن يثبت لبائعه الخيار؛ لأنه لم يسلم له جميع الرهن المشروط. وإن قلنا: يبطل الرهن في النخلة.. فهل يبطل البيع في العبد؟ فيه قولان، فإن قلنا: لا يبطل.. ثبت للبائع الخيار؛ لأنه لم يسلم له جميع الرهن المشروط، فتحصل في هذه المسألة أربعة أقوال:
أحدها: يصح الرهن في الكل، ويصح البيع.
والثاني: يبطل الرهن والبيع.
والثالث: يصح الرهن في النخلة لا غير، ويصح البيع، وللبائع الخيار.
والرابع: أن الرهن باطل، والبيع صحيح، وللبائع الخيار.

.[فرع: الإقراض بشرط الرهن ونمائه]

قال ابن الصباغ: إذا أقرضه ألفا برهن، وشرط أن يكون نماء الرهن داخلا فيه.. فالشرط باطل في أشهر القولين، وهل يفسد الرهن؟ فيه قولان؛ لأنه زيادة في حق المرتهن، وأما القرض: فهو صحيح؛ لأنه لم يجر منفعة، وإنما الشرط زيادة في الاستيثاق، ولم يثبت.

.[فرع: اشترط ضمان الرهن]

ولو رهنه شيئا، وشرط على المرتهن ضمان الرهن.. فإن الرهن غير مضمون عليه، على ما يأتي بيانه، ويكون هذا شرطا فاسدا؛ لأنه يخالف مقتضاه، وهل يفسد الرهن بهذا الشرط؟
من أصحابنا من قال: يفسد، قولا واحدا؛ لأن ذلك نقصان في حق المرتهن.
وقال أبو علي في "الإفصاح": وهل يبطل الرهن؟ فيه قولان، لأن شرط الضمان يجري مجرى الحقوق الزائدة في الرهن؛ لأنه لم ينقص حق المرتهن.
قال ابن الصباغ: والأول أصح.

.[فرع: شراء سلعة بشرط جعلها رهنا بالثمن عند البائع]

إذا اشترى سلعة بشرط أن يجعلها رهنا بالثمن.. فالرهن باطل؛ لأنه رهن ما لا يملك، والبيع باطل؛ لأنه في معنى من باع عينا، واستثنى منفعتها، فكان باطلا، ولأن هذا شرط يمنع كمال تصرف المشتري، ولأن من اشترى شيئا.. فله أن يبيعه ويهبه، والرهن يمنع ذلك، فأبطل البيع، سواء شرطا أن يسلمها البائع إلى المشتري، ثم يرهنها منه، أو لم يشرط تسليمها إليه، فالحكم واحد؛ لما ذكرناه.
وإن كان لرجل على آخر دين إلى أجل، فقال من عليه الدين: رهنتك عبدي هذا بدينك؛ لتزيدني في الأجل.. لم يثبت الأجل المزيد؛ لأن التأجيل لا يلحق بالدين، والرهن باطل؛ لأنه جعله في مقابلة الأجل، وإذا لم يسلم له الأجل.. لم يصح الرهن.

.[مسألة: باعه بشرط رهن مشاهد]

إذا باعه شيئا بثمن في ذمته، على أن يرهنه بالثمن رهنا معلوما بالمشاهدة، أو بالصفة.. صح البيع والرهن؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. فإن شرط رهنا بعينه، ثم أراد الراهن أن يرهنه غير ذلك المعين.. لم يلزم البائع قبوله، سواء كانت قيمته مثل قيمة المعين أو أكثر؛ لأنه قد تعين بالشرط.
وإن قال: بعتك عبدي بمائة درهم، على أن ترهنني بها رهنا غير معين، ولا موصوف.. لم يصح هذا الشرط.
وقال مالك رحمة الله عليه: (يصح، ويرجع فيه إلى العادة فيما يرهن بمثل ذلك الثمن).
دليلنا: أنه رهن مجهول، فلم يصح، كما لو قال: رهنتك ما في كمي.

.[فرع: شرط وضع الرهن عند عدل أو المرتهن]

وإذا شرطا في البيع رهن عبد معلوم، أو موصوف.. نظرت:
فإن شرطا أن يكون الرهن على يد عدل.. جاز.
وإن شرطا أن يكون على يد المرتهن.. صح؛ لأن الحق لهما، فجاز ما اتفقا عليه من ذلك.
وإن أطلقا ذلك.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: أن الرهن باطل؛ لأن كون الرهن في يد أحدهما ليس بأولى من الآخر، فإذا لم يذكر ذلك.. بطل الرهن.
والثاني: يصح الرهن، ويدفع إلى الحاكم؛ ليجعله على يد عدل إن اختلفا فيمن يكون عنده.
وإن كان الرهن جارية، ولم يشرطا كونها عند أحد.. قال الشيخ أبو حامد: صح الرهن، وجها واحدا، وجعلت على يد امرأة ثقة؛ لأنه ليس لها جهة توضع فيه غير هذا، بخلاف غير الجارية، فإن شرطا أن تكون هذه الجارية عند المرتهن، أو عند عدل.. نظرت:
فإن كان محرما لها.. جاز ذلك. قال القاضي أبو الفتوح: وكذلك: إن كانت صغيرة لا يشتهى مثلها.. جاز تسليمها إلى المرتهن، أو العدل؛ لأنه لا يخشى عليها منه.
وإن كانت كبيرة، واشترطا وضعها على يد المرتهن أو العدل، وليس بذي محرم لها، فإن كانت له زوجة أو جارية، قال الشيخ أبو حامد: أو في داره نساء تكون هذه المرهونة معهن.. جاز تركها معه؛ لأنه لا يخشى عليها أن يخلو بها. فإن لم تكن له زوجة ولا جارية.. لم يجز وضعها على يده، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان»، فإذا شرطا ذلك.. بطل الشرط، ولم يبطل الرهن؛ لأن هذا الشرط لا يؤثر في الرهن.

.[فرع: رهن الخنثى]

وإن كان الرهن خنثى مشكلا.. قال القاضي: فإن كان صغيرا.. جاز أن يكون على يد المرتهن، وعلى يد العدل، وعلى يد امرأة ثقة. وإن كان كبيرا.. وضع على يد ذي رحم محرم له، رجلا كان أو امرأة، ولا يوضع على يد أجنبي ولا أجنبية، فإن كان المرتهن محرما له، أو كان عنده محرم له.. جاز أن يجعل على يده، فإن أطلقا من يكون عنده.. صح؛ لأنه لا جهة لوضعه إلا واحدة، وهو المحرم، رجلا كان أو امرأة.

.[فرع: وضعا الرهن عند عدل، ثم أنكر العدل]

وإذا اتفق المرتهنان على وضع الرهن على يد عدل، ثم أقرا أن العدل قد قبض الرهن، وأنكر العدل ذلك.. لزم الرهن؛ لأن الحق لهما دون العدل، فإن رجع أحدهما وصدق العدل أنه لم يقبضه.. لم يقبل رجوعه عنه؛ لأن إقراره السابق يكذبه. وإن أقر الراهن والعدل بالقبض، وأنكر المرتهن.. فالقول قول المرتهن؛ لأن الأصل عدم القبض، ولا يقبل قول العدل عليه؛ لأنه يشهد على فعل نفسه. هذا مذهبنا.
وإن قبض العدل الرهن بإذن المرتهن.. صح، وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال ابن أبي ليلى: لا يصح توكيل العدل في القبض.
دليلنا: أن من اشترى شيئا.. صح أن يوكل في قبضه، فكذلك في الرهن.

.[فرع: يجوز نقل الرهن من يد عدل إلى مثله برضاهما]

وإذا حصل الرهن عند العدل باتفاق المتراهنين، فإن نقلاه إلى عدل غيره.. جاز.
وإن أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره.. لم يجز من غير رضا الآخر؛ لأنه حصل في يده برضاهما، فلا يخرج عن يده إلا برضاهما.
وإن دعا أحدهما إلى نقله، وامتنع الآخر.. رفع إلى الحاكم، فإن كان العدل ثقة لم ينقل عنه. وإن تغير حاله.. نقله الحاكم إلى عدل آخر.
وهكذا: إن كان الرهن عند المرتهن، فمات، أو اختل بجناية، أو أفلس، أو حجر عليه ـ هكذا ذكر الشيخ أبو حامد ـ واختلف ورثته والراهن فيمن يكون الرهن عنده، أو مات العدل، أو اختل، واختلف المتراهنان فيمن يكون الرهن عنده.. رفع الأمر إلى الحاكم ليجعله عند عدل؛ لأن ذلك أقطع للخصومة.

.[فرع: وضعا الرهن بيد عبد وأذنا له بالتصرف]

إذا وضعا الرهن على يد عبد، ووكلاه في بيعه.. قال أبو العباس: لا يجوز للعبد حفظه ولا بيعه، سواء جعلا له جعلا أو لم يجعلا له على ذلك؛ لأن منفعة العبد ملك لمولاه، فلا يجوز له بذلها بغير إذن سيده.
وإن جعلا الرهن على يد مكاتب، ووكلاه في بيعه، فإن كان بجعل.. جاز، وإن كان بغير جعل.. لم يجز؛ لأن المكاتب لا يملك بذل منافعه بغير عوض. وإن جعلا الرهن على يد صبي مراهق، وقبضه.. لم يصح قبضه؛ لأنه لا حكم لقبضه.
قال الشيخ أبو حامد: فصرح أبو العباس: أن قبض الصبي لا يصح، ولم يتعرض لصحة قبض العبد والمكاتب، وإنما ذكر حفظهما، ولكن يصح قبضهما؛ لأنهما مكلفان، وإنما لا يجوز لهما الحفظ والبيع؛ لأنه بذل منفعة بغير إذن السيد.

.[فرع: رد العدل الرهن على المتراهنين]

فإذا أراد العدل رد الرهن على المتراهنين، فإن كانا حاضرين.. رده عليهما، ويجب عليهما قبوله؛ لأنه أمين متطوع، ولا يلزمه المقام على ذلك. فإن امتنعا من أخذه.. رفع الأمر إلى الحاكم، ليجبرهما على تسلمه، فإن رده العدل على الحاكم قبل أن يرده عليهما.. ضمن العدل، وضمن الحاكم؛ لأنه لا ولاية للحاكم على غير ممتنع. وكذلك: إن أودعه العدل عند ثقة.. ضمنا جميعا. فإن امتنعا، ولم يكن حاكم، فتركه العدل عند ثقة.. قال ابن الصباغ: جاز. وإن امتنع أحدهما، فدفعه إلى الآخر.. ضمن.
وإن كانا غائبين، فإن كان للعدل عذر، مثل: أن يريد سفرا، أو به مرض يخاف منه، أو عجز عن حفظه.. دفعه إلى الحاكم، وقبضه الحاكم منه، أو نصب عدلا ليكون عنده. وإن لم يكن هناك حاكم.. جاز أن يدفعه إلى ثقة. وإن دفعه إلى ثقة مع وجود الحاكم.. ففيه وجهان، نذكرهما في (الوديعة) إن شاء الله تعالى.
وإن لم يكن له عذر في الرد، فإن كانت غيبتهما إلى مسافة تقصر فيها الصلاة.. قبضه الحاكم منه، أو نصب عدلا ليقبضه؛ لأن للحاكم أن يقضي عليهما فيما لزمهما من الحقوق.
قال ابن الصباغ: وإن لم يجد حاكما.. أودعه عند ثقة. وإن كانت غيبتهما إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة.. فهو كما لو كانا حاضرين، فإن كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا.. لم يجز تسليمه إلى الحاضر، وكان كما لو كانا غائبين. فإن رد على أحدهما في موضع لا يجوز له الرد إليه.. قال الشيخ أبو حامد: ضمن للآخر قيمته. وذكر المسعودي [في "الإبانة" ق\ 268] إن رده على الراهن.. ضمن للمرتهن الأقل من قيمة الرهن، أو قدر الدين الذي رهن به. وإن رده على المرتهن ضمن للراهن قيمته. وهذا التفصيل حسن.
قال ابن الصباغ: فإن غصب المرتهن الرهن من العدل.. وجب عليه رده إليه، فإذا رده إليه.. زال الضمان عنه. ولو كان الرهن في يد المرتهن، فتعدى فيه، ثم زال التعدي.. لم يزل عنه الضمان؛ لأن الاستئمان قد بطل، فلم يعد بفعله.

.[فرع: رهنا عند عدلين وأراد أحدهما تفويض حفظه للآخر]

إذا تركا الرهن على يد عدلين.. فهل لأحدهما أن يفوض حفظ جميعه إلى الآخر؟
فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأن المتراهنين.. لم يرضيا إلا بأمانتهما جميعا، فهو كما لو أوصى إلى رجلين، فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرف.
فعلى هذا: عليهما أن يحفظا الرهن في حرز يدهما عليه، إما بملك، أو عارية، أو إجارة.
وإن سلم أحدهما جميعه إلى الآخر.. ضمن نصفه.
والثاني: يجوز؛ لأن عليهما مشقة في الاجتماع على حفظه، فإن كان مما لا ينقسم، كالعبد.. جاز لأحدهما أن يسلمه إلى الآخر.
وإن كان مما ينقسم، فاقتسما.. فهل لأحدهما أن يسلم إلى الآخر ما حصل بيده بعد القسمة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه لو سلم إليه ذلك قبل القسمة.. صح، فكذلك بعد القسمة.
والثاني: لا يجوز لأنهما لما اقتسما.. صار كما لو قسمه المتراهنان بينهما. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إن كان مما لا ينقسم.. جاز لكل واحد منهما إمساك جميعه، وإن كان مما ينقسم.. لم يجز، ويقتسمانه).
دليلنا: أن المالك لم يرضَ إلا بأمانتهما، فلم يكن لأحدهما أن ينفرد بحفظ جميعه، كالوصيين.

.[فرع: توكيل العدل ببيع الرهن وقت محله]

إذا وضعا الرهن على يد عدل، ووكلاه في بيعه عند محل الحق.. صح التوكيل، ولا يكون هذا تعليق وكالة على شرط، وإنما هو تعليق التصرف.
قال ابن الصباغ: فإذا حل الحق.. لم يجز للعدل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن؛ لأن البيع لحقه، فإذا لم يطالب به.. لم يجز بيعه فإذا أذن المرتهن بذلك فهل يحتاج إلى استئذان الراهن ليجدد له الإذن؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو علي بن أبي هريرة: لا بد من استئذانه كما يفتقر إلى تجديد إذن المرتهن، ولأنه قد يكون له غرض في أن يقضي الحق من غيره.
والثاني: قال أبو إسحاق: لا يفتقر إلى استئذانه؛ لأن إذنه الأول كافٍ، ويفارق المرتهن؛ لأن البيع يفتقر إلى مطالبته بالحق، وأما غرض الراهن: فلا اعتبار به؛ لأنه ما لم يغير الإذن الأول، فهو راضٍٍ به.
وإن عزل الراهن العدل.. انعزل، ولم يجز له البيع، وبه قال أحمد رحمة الله عليه.
وقال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما: (لا ينعزل).
دليلنا: أن الوكالة عقد جائز، فانعزل بعزله، كسائر الوكالات. وإن عزله المرتهن.. ففيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: ينعزل؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (ولكل واحد منهما منعه من البيع)، ولأنه أحد المتراهنين، فملك عزل العدل، كالراهن.
والثاني: قال أبو إسحاق: لا ينعزل؛ لأن العدل وكيل الراهن، فلم ينفسخ بعزل غيره، وتأول كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أراد: أن لكل واحد منهما منعه من البيع؛ لأن للمرتهن أن يمنعه من البيع؛ لأن البيع إنما يستحق بمطالبته، فإذا لم يطالب به، ومنع منه... لم يجز، فأما أن يكون فسخا: فلا.

.[فرع: وكالة العدل في بيع الرهن إذا حل الأجل]

إذا رهن شيئا، وشرط أن يكون في يد عدل، ووكل العدل في بيعه، فحل الحق قبل أن يقبض الرهن.. فذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق": أنه لا يجوز للعدل بيع الرهن؛ لأنه وكله ببيعه رهنا، وهذا رهن لم يلزم؛ لأنه لم يقبض، اللهم إلا أن يقبضه الآن، فيكون له بيعه.
وذكر الطبري في "العدة": إن وكله في بيعه رهنا.. لم يكن له بيعه؛ لأنه لا يصير رهنا إلا بالقبض. وإن كان الإذن في بيعه مطلقا.. كان له أن يبيعه؛ لأن للوكيل بيع الشيء وهو في يد الموكل.

.[فرع: وضع اثنان رهنا عند مسلم أو غيره]

إذا تراهن الذميان رهنا، وجعلاه على يد مسلم.. جاز. وإن تراهن المسلمان، أو المسلم والذمي، أو الذميان، وجعلاه على يد ذمي.. جاز؛ لأن الذمي يصح أن يكون وكيلا في البيع. فإن اقترض مسلم من ذمي دراهم، ورهنه بها خمرا، وجعلاه على يد ذمي، ووكلاه في بيعه، فباعه.. لم يصح بيعه؛ لأنه بيع خمر على مسلم.
وإن اقترض ذمي من ذمي دراهم، ورهنه بها خمرا، وجعلاه على يد مسلم، ووكلاه في بيعه، فباعه.. لم يصح؛ لأنه بيع الخمر من مسلم. وإن اقترض ذمي من مسلم دراهم، ورهنه بها خمرا، وجعلاه على يد ذمي، ووكلاه في بيعه، فباعه.. فهل يجبر المسلم على قبض حقه منه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجبر؛ لأنه ثمن الخمر، وثمن الخمر محرم على المسلم.
والثاني: يجبر، فيقال له: إما أن تأخذه، وإما أن تبرئ من قدره من الدين؛ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في ثمن الخمر، وما أشبهه من العقود الفاسدة.. أقروا عليها، وصار ذلك مالا من أموالهم.